فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال النسفي:

سورة البلد:
{لآ أُقْسِمُ بهذا البلد}
أقسم سبحانه بالبلد الحرام وبما بعده على أن الإنسان خلق مغموراً في مكابدة المشاق.
واعترض بين القسم والمقسم عليه بقوله: {وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد} أي ومن المكابدة أن مثلك على عظم حرمتك يستحل بهذا البلد يعني مكة كما يستحل الصيد في غير الحرم.
عن شرحبيل: يحرمون أن يقتلوا بها صيداً ويستحلون إخراجك وقتلك، وفيه تثبيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكة، وتعجيب من حالهم في عداوته.
أو سلى رسول الله بالقسم ببلده على أن الإنسان لا يخلو من مقاساة الشدائد، واعترض بأن وعده فتح مكة تتميماً للتسلية والتنفيس عنه فقال: {وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد}.
أي وأنت حل به في المستقبل تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر، وذلك أن الله تعالى فتح عليه مكة وأحلها له وما فتحت على أحد قبله ولا أحلت له، فأحل ما شاء وحرم ما شاء، قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ومقيس بن صبابة وغيرهما، وحرم دار أبي سفيان ونظير قوله: {وَأَنتَ حِلٌّ} في الاستقبال قوله: {إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ} [الزمر: 30].
وكفاك دليلاً على أنه للاستقبال أن السورة مكية بالاتفاق، وأين الهجرة من وقت نزولها فما بال الفتح؟
{وَوَالِدٍ وَمَا ولد} هما آدم وولده، أو كل والد وولده، أو إبراهيم وولده، و(ما) بمعنى (من) أو بمعنى (الذي) {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان} جواب القسم {فِى كبد} مشقة يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة.
وعن ذي النون: لم يزل مربوطاً بحبل القضاء مدعواً إلى الائتمار والانتهاء.
والضمير في {أيحسب أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أحد} لبعض صناديد قريش الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكابد منهم ما يكابد، ثم قيل هو أبو الأشد.
وقيل: الوليد بن المغيرة.
والمعنى أيظن هذا الصنديد القوي في قومه المتصعب للمؤمنين أن لن تقوم قيامه ولن يقدر على الانتقام منه، ثم ذكر ما يقوله في ذلك اليوم وأنه {يَقول أَهْلَكْتُ مَالاً لبدا} أي كثيراً جمع لبدة وهو ما تلبد أي كثر واجتمع، يريد كثرة ما أنفقه فيما كان أهل الجاهلية يسمونها مكارم ومعالي {أيحسب أَن لَّمْ يَرَهُ أحد} حين كان ينفق ما ينفق رياء وافتخاراً يعني أن الله تعالى كان يراه وكان عليه رقيباً.
ثم ذكر نعمه عليه فقال: {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عينين} يبصر بهما المرئيات {وَلِسَاناً} يعبر عما في ضميره {وشفتين} يستر بهما ثغره ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ {وهديناه النجدين} طريقي الخير والشر المفضيين إلى الجنة والنار وقيل الثديين.
{فَلاَ اقتحم العقبة وَمَا أَدْرَاكَ مَا العقبة فَكُّ رقبة أَوْ إِطْعَامٌ في يَوْمٍ ذِى مسغبة يَتِيماً ذَا مقربة أَوْ مِسْكِيناً ذَا متربة ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين ءامَنُواْ} يعني فلم يشكر تلك الآيادي والنعم بالأعمال الصالحة من فك الرقاب أو إطعام اليتامى والمساكين، ثم بالإيمان الذي هو أصل كل طاعة وأساس كل خير، بل غمط النعم وكفر بالمنعم.
والمعنى أن الإنفاق على هذا الوجه مرضي نافع عند الله لا أن يهلك ماله لبدا في الرياء والفخار.
وقلما تستعمل (لا) مع الماضي إلا مكررة، وإنما لم تكرر في الكلام الأفصح لأنه لما فسر اقتحام القبة بثلاثة أشياء صار كأنه أعاد (لا) ثلاث مرات وتقديره: فلا فك رقبة ولا أطعم مسكيناً ولا آمن.
والاقتحام الدخول والمجاوزة بشدة ومشقة، والقُحمة الشدة فجعل الصالحة عقبة وعملها اقتحاماً لها في ذلك من معاناة المشقة ومجاهدة النفس.
وعن الحسن: عقبة والله شديدة مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه الشيطان.
والمراد بقوله: {مَا العقبة} ما اقتحامها ومعناه أنك لم تدركنه صعوبتها على النفس وكنه ثوابها عند الله.
وفك الرقبة تخليصها من الرق والإعانة في مال الكتابة.
{فَكَّ رقبة أَوْ إِطْعَامٌ} مكي وأبو عمرو وعلي على الإبدال من {اقتحم العقبة}، وقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا العقبة} اعتراض.
غيرهم {فَكُّ رقبة أَوْ إِطْعَامٌ} على: اقتحامها فك رقبة أو إطعام.
والمسغبة المجاعة، والمقربة القرابة، والمتربة الفقر، مفعلات من سغب إذا جاع وقرب في النسب.
يقال: فلان ذو قرابتي وذو مقربتي.
وترب إذا افتقر ومعناه التصق بالتراب فيكون مأواه المزابل ووصف اليوم بـ: {ذي مسغبة} كقولهم همٌّ ناصب أي ذو نصب.
ومعنى {ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين ءامَنُواْ} أي داوم على الإيمان.
وقيل: {ثم} بمعنى الواو.
وقيل: إنما جاء بـ: {ثم} لتراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة عن العتق والصدقة لا في الوقت، إذ الإيمان هو السابق على غيره ولا يثبت عمل صالح إلا به {وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} عن المعاصي وعلى الطاعات والمحن التي يبتلى بها المؤمن {وَتَوَاصَوْاْ بالمرحمة} بالتراحم فيما بينهم {أولئك أصحاب الميمنة} أي المصوفون بهذه الصفات من أصحاب الميمنة {والذين كَفَرُواْ بآياتنا} بالقرآن أو بدلائلنا {هُمْ أصحاب المشئمة} أصحاب الشمال والميمنة والمشأمة اليمين والشمال، أو اليمن والشؤم أي الميامين على أنفسهم والمشائيم عليهن {عَلَيْهِمْ نَارٌ مؤصدة} وبالهمز: أبو عمرو وحمزة وحفص أي مطبقة من أوصدت الباب وآصدته إذا أطبقته وأغلقته والله أعلم. اهـ.

.قال ابن جزي:

سورة البلد:
{لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد}
أراد مكة باتفاق، وأقسم بها تشريفاً لها ولا زائدة {وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد} هذه جملة اعتراض بين القسم وما بعده وفي معناها ثلاثة أقوال: أحدها أن المعنى أنت حال بهذا البلد أي ساكن، لأن السورة نزلت والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة، والآخر أن معنى حِلّ تستحل حرمتك ويؤذيك الكفار مع أن مكة لا يحل فيها قتل صيد ولا بشر ولا قطع شجر، وعلى هذا قيل: لا أقسم يعني لا أقسم بهذا البلد وأنت تحلقك فيه إذاية. الثالث أن معنى حل حلال يجوز لك في هذا البلد ما شئت من قتالك الكفار وغير ذلك مما لا يجوز لغيرك، وهذا هو الأظهر لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا البلد حرام حرّمه الله يوم خلق السموات والأرض، لم يحل لأحد قبلي ولا يحل لأحد بعدي، وإنما أحل لي ساعة من نهار يعني يوم فتح مكة، وفي ذلك اليوم أمر عليه الصلاة والسلام بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة»،
فإن قيل: إن السورة مكية وفتح مكة كان عام ثمانية من الهجرة؟
فالجواب: أن هذا وعد بفتح مكة كما تقول لمن تعده بالكرامة: أنت مكرم يعني فيما يستقبل، وقيل: إن السورة على هذا مدنية نزلت يوم الفتح، وهذا ضعيف {وَوَالِدٍ وَمَا ولد} فيه خمسة أقوال:
أحدها: أنه أراد آدم وجميع ولده.
الثاني: نوح وولده.
الثالث: إبراهيم وولده.
الرابع: سيدنا محمد عليه الصلاة السلام وولده.
الخامس:جنس كل والد ومولود وإما قال: وما ولد ولم يقل ومن ولد: إشارة إلى تعظيم المولود كقوله: {والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} [آل عمران: 36] قاله الزمخشري.
{لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كبد} أي يكابد المشقات من هموم الدنيا والآخرة، قال بعضهم: لا يكابد أحد من المخلوقات ما يكابد ابن آدم، وأصل الكبد من قولك كبد الرجل فهو أكبد إذا وجعت كبده وقيل: معنى في كبد واقفاً منتصب القامة. وهذا ضعيف. والإنسان على هذين القولين جنس، وقيل: الإنسان آدم عليه السلام، ومعنى {في كبد} على هذا في السماء وهذا ضعيف والأول هو الصحيح.
{أيحسب أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أحد} فيه قولان:
أحدهما:أن معناه أيظن أن لن يقدر أحد على بعثه وجزائه.
والآخر: أيظن أن لن يقدر أحد أن يغلبه.
فعلى الأول: نزلت في جنس الإنسان الكافر، وعلى الثاني: نزلت في رجل معين وهو أبو الأشد رجل من قريش، كان شديد القوة، عمرو بن عبد ودّ وهو الذي اقتحم الخندق بالمدينة وقتله على بن أبي طالب {يَقول أَهْلَكْتُ مَالاً لبدا} أي كثيراً، وقرئ {لبدا} بضم اللام وكسرها، وهو جمع لبدة بالضم والكسر بمعنى الكثرة: ونزلت الآية عند قوم في الوليد بن المغيرة، فإنه أنفق مالاً في إفساد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل في الحرث بن عامر بن نوفل وكان قد أسلم وأنفق في الصدقات والكفارات، فقال لقد أهلكت مالي منذ تبعت محمداً {أيحسب أَن لَّمْ يَرَهُ أحد} يحتمل أن يكون هذا تكذيباً له في قوله: {أَهْلَكْتُ مَالاً لبدا}، أو إشارة إلى أنه أنفقه رياء.
{وَهَدَيْنَاهُ النجدين} أي طريقي الخير والشر فهو كقوله: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان: 3]، وليس الهدى هنا بمعنى الإرشاد وقيل: يعني ثديي الأم {فَلاَ اقتحم العقبة} الاقتحام الدخول بشدّة ومشقة، و{العقبة} عبارة عن الأعمال، الصالحة المذكورة بعد، وجعلها عقبة استعارة من عقبة الجبل لأنها تصعب ويشق صعودها على النفوس، وقيل: هو جبل في جهنم له عقبة لا يجاوزها إلا من عمل هذه الأعمال ولا هنا تخصيص بمعنى هلا وقيل: هي دعاء، وقيل: هي نافية واعترض هذا القول بأن لا النافية إذا دخلت على الفعل الماضي لزم تكرارها، وأجاب الزمخشري بأنها مكررة في المعنى، والتقدير فلا اقتحم العقبة ولا فك رقبة ولا أطعم مسكيناً.
وقال الزجاج قوله: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين آمَنُواْ} [البلد: 17] يدل على التكرار لأن التقدير فلا اقتحم العقبة ولا آمن {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا العقبة} للعقبة ثم فسرها بفك الرقبة وهو إعتاقها بالإطعام وقرئ {فك رقبة} بضم الكاف وخفض الرقبة، وهو على هذا تفسير للعقبة وبفتح الكاف ونصب الرقبة وهو تفسير لـ: {اقتحم} و{فك الرقبة}: هو عتقها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار» وقال أعرابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «دلني على عمل أنجو به فقال: فك الرقبة وأعتق النسمة، فقال الأعرابي: أليس هذا واحدًا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، إعتاق النسمة أن تنفرد بعتقها وفك الرقبة أن تعين في ثمنها»، وأما فك أسارى المسلمين من أيدي الكافرين فإنه أعظم أجراً من العتق لأنه واجب، ولو استغرقت فيه أموال المسلمين ولكنه لا يجري في الكفارات عن عتق رقبة {أَوْ إِطْعَامٌ} من قرأ {فكُ بالرفع} قرأ {إطعام} بالعطف مصدر على مصدر ومن قرأ {فكَ} بالفتح قرأ {أَطْعَمَ} بفتح الهمزة والميم فعطف فعلاً على فعل {فِي يَوْمٍ ذِي مسغبة} أي مجاعة يقال سغب الرجل إذا جاع {يَتِيماً ذَا مقربة} أي ذا قرابة ففيه أجر إطعام اليتيم وصلة الرحم {أَوْ مِسْكِيناً ذَا متربة} أي ذا حاجة، يقال: تَرِبَ الرجل إذا افتقر، وهو مأخوذ من الصدقة بالتراب وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه الذي مأواه المزابل».
{ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين آمَنُواْ} ثم هنا للتراخي في الرتبة لا في الزمان، وفيها إشارة إلى أن الإيمان أعلى من العتق والإطعام، ولا يصح أن يكون للترتيب في الزمان لأنه لا يلزم أن يكون الإيمان بعد العتق. والإطعام ولا يقبل عمل إلا من مؤمن {وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} وصّى بعضهم بعضاً بالصبر على قضاء الله، وكأن هذا إشارة إلى صبر المسلمين بمكة على إذاية الكفار {وَتَوَاصَوْاْ بالمرحمة} أي وصى بعضهم بعضاً برحمة المساكين وغيرهم، وقيل: الرحمة كل ما يؤدي إلى رحمة الله {الميمنة} جهة اليمين {المشأمة} جهة الشمال، وروي أن الميمنة عن يمين العرش ويحتمل أن يكونا من اليمين والشؤم {نَارٌ مؤصدة} أي مطقبة مغلقة يقال: أوصدت الباب ِإذا أغلقته وفيه لغتان الهمزة وترك الهمزة. اهـ.

.قال البيضاوي:

سورة البلد:
مكية.
وآيها عشرون آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد}
أقسم سبحانه بالبلد الحرام وقيده بحلول الرسول عليه الصلاة والسلام فيه إظهاراً لمزيد فضله، وإشعاراً بأن شرف المكان بشرف أهله. وقيل {حِلٌّ} مستحل تعرضك فيه كما يستحل تعرض الصيد في غيره، أو حلال لك أن تفعل فيه ما تريد ساعة من النهار فهو وعد بما أحل له عام الفتح.
{وَوَالِدٍ} عطف على {هذا البلد} والوالد آدم أو إبراهيم عليهما الصلاة والسلام.
{وَمَا ولد} ذريته أو محمد عليه الصلاة والسلام، والتنكير للتعظيم وإيثار ما على من لمعنى التعجب كما في قوله: {والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في كبد} تعب ومشقة من كبد الرجل كبداً إذا وجعت كبده ومنه المكابدة، والإِنسان لا يزال في شدائد مبدؤها ظلمة الرحم ومضيقه ومنتهاها الموت وما بعده، وهو تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام مما كان يكابده من قريش والضمير في {أيحسب} لبعضهم الذي كان يكابد من أكثر، أو يفتر بقوته كأبي الأشد بن كلدة فإنه كان يبسط تحت قدميه أديم عكاظي ويجذبه عشرة فينقطع ولا تزال قدماه، أو لكل أحد منهم أو للإنسان.
{أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أحد} فينتقم منه.
{يِقول} أي في ذلك الوقت {أَهْلَكْتُ مَالاً لبدا} كثيراً، من تلبد الشيء إذا اجتمع، والمراد ما أنفقه سمعة ومفاخرة، أو معاداة للرسول عليه الصلاة والسلام.
{أيحسب أَن لَّمْ يَرَهُ أحد} حين كان ينفق أو بعد ذلك فيسأله عنه، يعني أن الله سبحانه وتعالى يراه فيجازيه، أو يجده فيحاسبه عليه ثم بين ذلك بقوله: {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عينين} يبصر بهما.
{وَلِسَاناً} يترجم به عن ضميره.
{وشفتين} يستر بهما فاه ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب وغيرها.
{وهديناه النجدين} طريقي الخير والشر، أو الثديين وأصله المكان المرتفع.
{فَلاَ اقتحم العقبة} أي فلم يشكر تلك الأيادي باقتحام العقبة وهو الدخول في أمر شديد، و{العقبة} الطريق في الجبل استعارها بما فسرها عزَّ وجلّ به من الفك والإطعام في قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا العقبة فَكُّ رقبة أَوْ إِطْعَامٌ في يَوْمٍ ذِى مسغبة يَتِيماً ذَا مقربة أَوْ مِسْكِيناً ذَا متربة} لما فيهما من مجاهدة النفس ولتعدد المراد بها حسن وقوع لا موقع لم فإنها لا تكاد تقع إلا مكررة، إذ المعنى: فَلاَ فَكَ رقبة ولا أَطْعَمَ يَتيماً أو مسكيناً. والمسغبة والمقربة والمتربة مفعلات من سغب إذا جاع وقرب في النسب وترب إذا افتقر.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي {فَكُّ رقبة أو أطعم}على الإِبدال من {اقتحم} وقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا العقبة} اعتراض معناه إنك لم تدر كنه صعوبتها وثوابها.
{ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين ءامَنُواْ} عطفه على {اقتحم}، أو {فَكُّ} بـ: {ثُمَّ} لتباعد الإيمان عن العتق والإطعام في الرتبة لاستقلاله واشتراط سائر الطاعات به.
{وَتَوَاصَوْاْ} وأوصى بعضهم بعضاً.
{بالصبر} على طاعة الله تعالى.
{وَتَوَاصَوْاْ بالمرحمة} بالرحمة على عباده، أو بموجبات رحمة الله تعالى.
{أولئك أصحاب الميمنة} اليمين أو اليمن.
{والذين كَفَرُواْ بآياتنا} بما نصبناه دليلاً على الحق من كتاب وحجة أو بالقرآن.
{هُمْ أصحاب المشئمة} الشمال أو الشؤم، ولتكرير ذكر المؤمنين باسم الإِشارة والكفار بالضمير شأن لا يخفى.
{عَلَيْهِمْ نَارٌ مؤصدة} مطبقة من أوصدت الباب إذا أطبقته وأغلقته.
وقرأ أبو عمرو وحمزة وحفص بالهمزة من آصدته.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ لا أقسم بهذا البلد أعطاه الله سبحانه وتعالى الأمان من غضبه يوم القيامة». اهـ.